فصل: تفسير الآية رقم (269):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (269):

{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
الحكمة: يحكم عليكم خاطرُ الحقِّ لا داعي النفس، وتحكم عليكم قواهر الحق لا زواجر الشيطان.
ويقال الحكمة صواب الأمور.
ويقال هي ألا تحكم عليك رعوناتُ البشرية.
(ومن لا حكم له على نفسه لا حكم له على غيره).
ويقال الحكمة موافقة أمر الله تعالى، والسَّفَهُ مخالفة أمره.
ويقال الحكمة شهود الحق والسَّفَهُ شهود الغير.

.تفسير الآية رقم (270):

{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}
قوم تَوَعَّدَهم بعقوبته، وآخرون توعدهم بمثوبته.. وآخرون توعدهم بعلمه؛ فهؤلاء العوام وهؤلاء الخواص. قال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] فلا شيء يوجب سقوط العبد من عين الله كمخالفته لعهوده معه بقلبه، فليحذر المريد من إزلال نفسه في ذلك غايةَ الحذر.

.تفسير الآية رقم (271):

{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
إن أظْهَرْتَ صحبتَكَ معنا وأعلنتَ فلقد جوَّدْتَ وأحْسنْتَ، وإنْ حفظت سِرَّنَا عن دخول الوسائط بيننا صُنْتَ شروط الوداد، وشَيَّدت من بناء الوصلة العماد.

.تفسير الآية رقم (272):

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}
لكَ المقام المحمود، واللواء المعقود، والرتب الشريفة، والمنازل العلية، والسنن المرضية. وأنت سيد الأولين والآخرين، ولا يدانيك أحدُ- فضلاً عن أن يساميك، ولكن ليس عليك هداهم فالهداية من خصائص حقنا، وليس للأغيار منه شطية. يا محمد: أنت تدعوهم ولكن نحن نهديهم.

.تفسير الآية رقم (273):

{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
أخذ عليهم سلطانُ الحقيقة كلَّ طريق، فلا لهم في الشرق مذهب، ولا لهم في الغرب مضرب. كيفما نظروا رأوا سرادقات التوحيد محدقة بهم:
كأنَّ فجاجَ الأرض ضاقَتْ بِرَحْبِها ** عليهم فما تزداد طولاً ولا عرضا

ولا يسلم لهم نفس مع الخلق، وأنَّى بذلك ولا خَلْق!! وإذا لم يكن فإثبات ما ليس شِرْكٌ (.....) في التوحيد.
والفقير الصادق واقف مع الله بالله، لا إشراف للأجانب عليه، ولا سبيل لمخلوق إليه تنظره عين الأغيار في لبسة سوى ما هو به؛ قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} فأما من كان ذا بصيرة فلا إشكال عليه في شيء من أحوالهم. تعرفهم يا محمد- أنت- بسيماهم، فليست تلك السيماء مما يلوح للبصر ولكنها سيماء تدركها البصيرة. لا إشراف عليهم إلا بنور الأحدية.
ويقال: {تَعرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ}: استبشار قلوبهم عند انكسار نفوسهم، وصياح أسرارهم إلى العرش (نشاطاً عنه) عند ذبول ظاهرهم عن الانتعاش.
ويقال تكسر الظاهر عند تكسر الباطن وبالعكس من هذه لا يسألون الناس إلحافاً، فإن جرى منهم من الخلق بدون الإلحاف سؤال- لما يشير إليه دليل الخطاب- فذلك صيانة لهم ولسر قصتهم، لئلا يلاحظهم الخلْق بعين السؤال، وليس على سرّهم ذرة من الإثبات للأغيار.
ويقال: {أُحْصِرُوا في سَبِيلِ اللهِ}: وقفوا على حكم الله، وأحْصَرُوا نفوسَهم على طاعته وقلوبَهم على معرفته، وأرواحَهم على محبته، وأسرارَهم على رؤيته.

.تفسير الآية رقم (274):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}
ما دام لهم مال لا يفترون ساعة عن إنفاقه ليلاً ونهاراً، فإذا نفد المال لا يفترون عن شهوده لحظةً ليلاً ونهاراً.

.تفسير الآية رقم (275):

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}
مَنْ أعرض عن الأمر، ورخَّص لنفسه بما يسوِّله له خاطره من التأويل فلا استقلال لهم في الحال ولا انتعاش في المآل؛ خسروا في عاجلهم ولم يربحوا في آجلهم.
ومَنْ انتبه بزواجر الوعظ، وكَبَحَ لجامَ الهوى، ولم يُطْلِقْ عنان الإصرار فَلَهُ الإمهال في الحال، فإنْ عاد إلى مذموم تلك الأحوال فَلْيَنْتَظِرُوا أوشكَ الاستئصالِ وفجاءة النّكال.

.تفسير الآية رقم (276):

{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}
ما كان بإذن منه- سبحانه- من التصرُّفات فمقرون بالخيرات، ومصحوب بالبركات. وما كان بمتابعة الهوى يُسَلِّط عليه المَحْقَ، وكانت عاقبة أمره الخسران.

.تفسير الآية رقم (277):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}
إن الذين كانوا لنا يكفيهم ما يجدون مِنَّ، لا نضيع أجر من أحسن عملاً.

.تفسير الآية رقم (278):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
الاكتفاء بموعود الربِّ خيرٌ للمسلم من تعليق قلبه بمقصود نفسه.
ومقصودُك من تسويلات النفس، وموعودك مما ضمنه الحق.

.تفسير الآية رقم (279):

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
إن صاحب الإصرار ليس له عندنا وزن ولا مقدار، ولا قَدْرٌ ولا أخطار.

.تفسير الآية رقم (280):

{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)}
إذا تقرر عند القاضي إفلاس المحبوس فلا تحل له استدامة حَبْسه، وإن ظهرت لذي الحق حجة المفلس فذلك مرتهن بحق خصمه، ولكنه في إمهال وإنظار. والرب لا يحكم بهذا علينا؛ فمع علمه بإعسارنا وعجزنا، وصدق افتقارنا إليه وانقطاعنا له- يرحمنا.
قوله: {إِلَى مَيْسَرَةٍ}. ليس للفقير المفلس وجه يحصل له منه شيء إلا من حيث ما جعل الله سبحانه من سهم الغارمين، فأمَّا من جهة الغلات فالغلة تدخل من رقاب الأموال والعقد.. وأنَّى للمفلس به؟!
وأمَّا الربح في التجارة من تقليب رأس المال والتصرُّف فيه.. فأنَّى للمفلس به؟!
ما بقي للمفلس إلا قول من قال من الفقهاء (....) وإن كان ضعيفاً، فلذلك لمن بقيت له منه الحراك أما المفلس عن قوته- كما هو مفلس عن ماله- ما بقي له وجه إلا ما يسبب له مولاه.

.تفسير الآية رقم (281):

{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}
الرجوع على ضربين: بالأبشار والنفوس غداً عند التوفي، وبالأسرار والقلوب في كل نَفَسٍ محاسبة؛ نقدٌ ووعد، فنَقْدُ مطالبته أحقُّ مما سيكون في القيامة من وعده.
وقال للعوام: {وَاتَّقُوا يَوْمًا} وقال للخواص: {وَإِيَّاىَ فَاتَّقُونِ}.

.تفسير الآية رقم (282):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}
أمَرَ الله سبحانه الخلْقَ بالقيام بالصدق، وعلَّمَهم كيفية معاملاتهم فيما بينهم، والأخذ بالاحتياط والاستشهاد لئلا يُجْرِيَ- بعضُهم على بعض- حيفاً، وذلك من مقتضى رحمته سبحانه عليهم، وموجب رِفقِه بهم كيلا يتخاصموا. فأمر بتحصين الحقوق بالكتابة والإشهاد، وأمر الشهود بالتحمل ثم بالإقامة.
ومن شرع اليومَ ما يقطع الخصومة بينهم فبالحري أن يجري ما يرفع في الآخرة آثار الخصومة بينهم، وفي الخبر المنقول: «تواهبوا فيما بينكم فقد وهبت منكم مالي عليكم، فإن الكريم إذا قدر غفر».
وفيما شرع من الدَيْن رِفْق بأرباب الحاجات، لأن الحاجة تمس فيحمله الحال على الاحتيال، ويضيق به الصدر عن الاحتمال، ويمنعه حفظ التجمل عن الكدية والسؤال، فأذِنَ له في الاستدانة ليَجْبُرَ أمرهَ في الحال، وينتظرَ فضل الله في المآل، وقد وعد على الإدانة الثوابَ الكثير، وذلك من لطفه تعالى:

.تفسير الآية رقم (284):

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)}
من المعاني والدعاوى، ويقال من القصود والرغائب، وفنون الحوائج والمطالب.
ويقال ما تبديه: العبادة، وما تخفيه الإرادة.
ويقال ما تخفيه: الخطرات وما تبديه: العبارات.
ويقال ما تخفيه: السكنات والحركات.
ويقال الإشارة فيه إلى استدامة المراقبة واستصحاب المحاسبة، فلا تغفل خطرة ولا تحمل وقتك نَفَساً.

.تفسير الآية رقم (285):

{آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}
هذه شهادة الحق- سبحانه- لنبيِّه- صلى الله عليه وسلم وعلى آله- بالإيمان، وذلك أتمُّ له من إخباره عن نفسه بشهادته.
ويقال آمن الخَلْق كلُّهم من حيث البرهان وآمن الرسول- عليه السلام- من حيث العيان.
ويقال آمن الخَلْق بالوسائط وآمن محمد- صلى الله عليه وسلم- بغير واسطة.
ويقال هذا خطاب الحق معه ليلة المعراج على جهة تعظيم القَدْر فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ}، ولم يقل آمَنتَ، كما تقول لعظيم الشأن من الناس: قال الشيخ، وأنت تريد قلتَ.
ويقال: {آمَنَ الرَّسُولً كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}، ولكن شتان بين إيمان وإيمان، الكلُّ آمنوا استدلالاً، وأنت يا محمد آمنتَ وصالاً.

.تفسير الآية رقم (286):

{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}
قوله جلّ ذكره: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.
لكمال رحمته بهم وقفهم على حد وسعهم ودون ذلك بكثير، كل ذلك رِفق منه وفضل. {لَهَا مَا كَسَبَتْ}.
من الخيرات.
{وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}.
ما تكسبه من التوبة التي تُنَجِّي من كسب.
قوله جلّ ذكره: {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}.
كان إذا وقعت حاجة كلَّموه بلسان الواسطة. قالوا: {يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الأعراف: 134] وهذه الأمة قال لهم: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
وكانت الأمم (السالفة) إذا أذنبوا احتاجوا إلى مضي مدة لقبول التوبة، وفي هذه الأمة قال صلى الله عليه وسلم: «الندم توبة».
وكانت الأمم السالفة منهم من قال اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، وهذه الأمة اختصت بإشراق أنوار توحيدهم، وخصائصُهم أكثر من أن يأتي عليه الشرح.
قوله جلّ ذكره: {وَاعْفُ عَنَّا}.
في الحال.
{وَاغْفِرْ لَنَا}.
في المآل.
{وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ}.
في جميع الأحوال إذ ليس لنا أحد سواك، فأنت مولانا فاجعل النصرة لنا على ما يشغلنا عنك.
ولمَّا قالوا: {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} خَسَفَ الله ذنوبهم بدل خسف المتقدمين، فأبدل ذنوبهم حسنات بدل مسخهم، وأمطر عليهم الرحمة بدل ما أمطر على المتقدمين من الحجارة.
والحمد لله رب العالمين.